"يعطي لغالبنا غالب".. مثل شعبي موريتاني مشحون بمعاني التسليم والعجز وتعليق الأمل على تدخل طرف ثالث لردع القوي المتسلط الذي يُلحق الأذى بالناس أو يسلبهم حقوقهم وأموالهم.
هذا المثل يصلح عنوانا لقصة كبيرة تشغل الشعب الموريتاني وباتت محور نقاش في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية والعربية، وقد تدخلت شرطة الجرائم الاقتصادية وفتحت تحقيقا واسعا في ملابساتها.
والمغلوب هنا هو الشعب الموريتاني، والغالب الرئيس محمد ولد عبد العزيز، والطرف الثالث القوي تمثله وزارة الخزانة الأميركية أو الرئيس دونالد ترامب.
ومنذ شهر يتداول الناس معلومات عن تورط الرئيس ولد عبد العزيز في تهريب ملياري دولار إلى حساب في دبي بالإمارات، قبل أن تتدخل الخزانة الأميركية لتجميد هذا الحساب في إطار محاربتها لتبييض الأموال.
وحتى الآن لا يوجد أي دليل ملموس يدين الرئيس الموريتاني بهذا الفعل، لكنْ هناك وقائع وأخبار وتطورات مريبة دفعت كثيرين للتعاطي مع القضية بجدية.
ومن جدية الموقف قفد بدأ التعاطي مع الملف، بسلسلة اعتقالات مثيرة حيث أطلقت شرطة الجرائم الاقتصادية والمالية تحقيقا في تهريب جهات نافذة أموالا عامة إلى المصارف الإمارتية.
وقد استجوبت الشرطة حتى الآن العديد من الصحفيين والمدونين الذين تحدثوا عن تجميد الملياري دولار، ولم يتضح ما إذا كانت استدعت مسؤولين في القطاع المصرفي الموريتاني.
ومن أهم عوامل الريبة، والجدية في الموضوع هو زخم الاعتقالات التي طالت العديد من المدونين ومساءلتهم على اثر عامل أساسي حول سفر الرئيس سيادته المتكرر إلى الإمارات في وقت يواجه فيه تحديات كبيرة مع انتهاء مأموريته الثانية والأخيرة.
وقد زار الرئيس الإمارات ثلاث مرات في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، ومكث هناك أياما عدة إلى حد أنه تغيّب عن بعض المناسبات الإقليمية المهمة.
كذلك، تتحدث مصادر محلية عن رحلات مكوكية وجهود سيزيفية لمسؤولين موريتانيين في الإمارات العربية المتحدة.
أوامر العم سام الامريكي
وتحدثت صحف عربية ومحلية أن هؤلاء المسؤولين قابلوا صناع القرار في الإمارات من أجل رفع التجميد عن المليارين، لكن ذلك لم يكن مجديا، فقد رد الإماراتيون بأنهم اتخذوا القرار استجابة لطلب من الخزانة الأميركية ولا يمكن إلغاؤه ولا مراجعته.
ولأسابيع، تجنبت الحكومة الموريتانية التعليق على هذه التسريبات، مما دفع نوابا وسياسيين إلى مطالبتها بوضع حد للشائعات وصون مصداقية الرئيس أمام الرأي العام.
وقبل أيام، قال النائب البرلماني ورئيس حزب الصواب عبد السلام ولد حرمه إن "تجميد ملياري دولار من أموال الشعب الموريتاني في مصارف إماراتية ليس أمرا يمكن التغاضي عنه أو التهاون معه".
وكتب في صفحته على فيسبوك "ندعو الحكومة إلى كشف حقيقة القضية" وتقديم أدلة "لشعبها وللعالم أو أن تبحث عن مسار يؤمّن لها فورا ما بقي عندها من ماء وجه، ويوقف نزيف التلاعب بشعب ودولة يتجهان بسرعة كبيرة إلى مجهول عواقبه كارثية حتى على الجناة أنفسهم".
لكن الحكومة الموريتانية لم يعد بإمكانها تجاهل مزاعم تورط الرئيس في تهريب ملياري دولار، فقد واجهت البنوك الموريتانية أزمة تحويلات للدول التي تتعامل بالدولار.
وأساس هذه الأزمة أن الخزانة الأميركية صنفت البنوك الموريتانية منطقة لتبييض الأموال، وحظرت التعامل معها من دون وسيط.
ونقلت وكالة الأخبار المستقلة عن مصادر مصرفية قولها إن محافظ البنك المركزي الموريتاني عزيز ولد الداهي زار مؤخرا الولايات المتحدة الأميركية، وحاول العمل على تفادي هذا الإجراء، ولكنه فشل في الموضوع.
ضغط سياسي
وبالنسبة للقيادية بحزب التكتل منى بنت الدي، فإن "أزمة البنوك وطيدة الصلة بأزمة المليارات المجمدة في دبي".
وكتبت على فيسبوك "تصوروا ماذا نستطيع أن نفعل بملياري دولار، كم مدرسة وكم من الأدوية وكم ستزيد من الرواتب وكم ستشغل من شبابنا العاطل. تبًا للناهبين الظالمين".
وقال الكاتب والمدون عبد الرحمن ولد ودادي إن البنوك الموريتانية تواجه عرقلة للتحويلات على المستوى العالمي بسبب تورط الدولة في عمليات تبييض أموال.
ويبدو أن خبر أزمة الحوالات شكّلت ضغطا على الرئيس شخصيا، مما أجبره على الحديث عن قصة الملياري دولار.
وعلى هامش حضوره اجتماعا للحزب الحاكم أسابيع، قال الرئيس للصحفيين إن أحدا لن يصدقه لو نفى تورطه في تهريب ملياري دولار من أموال الشعب الموريتاني إلى دبي. وشدد على أن هذه مجرد شائعة، وأن الزمن كفيل بالكشف عن حقيقتها.
أما الناطق باسم الحكومة الموريتانية سيدي محمد ولد محم، فقد صرح قبل أسابيع "ان جعل سمعة الاقتصاد الوطني على المحك بإطلاق شائعات غير دقيقة لا يخدم أحدًا، وإنما يمثل إضرارا بكل الموريتانيين".
دون ان ان نعرف قائمة الموريتانيين الذين يعنيهم ولد محم في مرد كلامه عن قضية باتت تورط العديد ممن تساءل عن فحواها او كتب عنها مستغربا.
وعن قصة المليارين، أكد أن النظام المصرفي الموريتاني لم يتورط من قبل في غسيل الأموال وتهريبها وتبييضها، وخير دليل على ذلك هو أن الدولة تستقطب الشركات العالمية من مثل بريتش بتروليوم وتوتال.
تحقيق جنائي
وللتعاطي بجدية مع الملف، أطلقت شرطة الجرائم الاقتصادية والمالية تحقيقا في تهريب جهات نافذة أموالا عامة إلى المصارف الإمارتية.
وقد استجوبت الشرطة حتى الآن العديد من الصحفيين والمدونين الذين تحدثوا عن تجميد الملياري دولار، في حين يوجد في قبضة هذه التهم رهن الاعتقال حتى الان مدونين هما: الشيخ ولد جدو، وعبد الرحمن ولد ودادي.
وقد تستدعي كذلك مسؤولين في القطاع المصرفي الموريتاني، بعدما تم الكشف مؤخرا عن فتح تحقيق قامت به السلطات العمومية تمخض عن اختفاء مبالغ مالية من الخزينة العامة في مدينة افديرك بولاية تيرس الزمور.
وطالت التحقيقات المحصل والخازن في فرع الخزينة بالمقاطعة، فيما تم تحويل الإشراف على الفرع إلى مدير الخزينة في مدينة الزويرات، بعد اختفاء المبلغ الذي قدر بـ5 ملايين أوقية.
وبالتوازي مع الغضب والحسرة، يتعاطى آخرون مع القصة بأسلوب ساخر من قبيل أن دونالد ترامب عازم على حلب الجميع بمن فيهم الرئيس الموريتاني.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية,الصحافة الموريتانية
.