حدث سار يكاد يكون فريدا من نوعه، عاشته موريتانيا يوم 22 يونيو، حيث ذهب الناخبون في هذه الدولة الواقعة في شمال غرب إفريقيا والتي يقل عدد سكانها عن أربعة ملايين، إلى صناديق الاقتراع بشكل هادئ لانتخاب رئيس جديد لخلافة رئيسٍ منتخَب منتهيةٍ ولايتُه.
أفاد معظم المراقبين أن هذه الانتخابات، مثل الانتخابات التي سبقتها، جرت بسلاسة كبيرة. وقد شهد على نزاهتها الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، وبينما لم يكن المترشحون الخاسرون أكثر سعادة بالنتائج من "هيلاري كلينتون" عندما خسرت أمام "دونالد ترامب"،
فإنهم لم يتمكنوا من حشد الكثير من الدعم الشعبي أو تقديم الأدلة على أن الانتخابات لم تكن "حرة وعادلة".
لم يُجبَر الرئيس المنتهية ولايتُه على مغادرة البلد ولم يدخل السجن وإنما خرج طوعا وهو عازم على العودة إلى الحياة الخاصة. ومن المؤسف أن هذا الأمر لم يلاحظه أحد في الولايات المتحدة، رغم ما لهذا البلد من أهمية كبيرة لسببين اثنين: أولهما دور موريتانيا في الحرب على الإرهاب؛ والثاني اهتمام واشنطن المفترَض برعاية الديمقراطيات الناشئة.
درَج الناس على تعريف الديمقراطية الإفريقية بأنها "رجل واحد، انتخاب واحد، مرة واحدة". غير أن تغيرات طفيفة حصلت على مستوى القارة في وقت أصبحت فيه نماذج الحكم التسلطية أكثرَ رواجا في العالم، إذ يميل الزعماء الذين يصطدمون بتحديد عدد المأموريات المفروضة دستوريا إلى إجراء تعديلات دستورية تسمح لهم بالبقاء في مناصبهم، ونأمل أن تستفيد الشعوب الإفريقية من هذه التجربة الموريتانية.
عانت موريتانيا من تسعة انقلابات منذ حصولها على الاستقلال في عام 1960. تم انتخاب رئيسها المنتهية ولايتُه، محمد ولد عبد العزيز، البالغ من العمر 62 عاما، لمأمورية ثانية في عام 2014، وقرر ألا يترشح لمأمورية ثالثة وأن يلتزم بالدستور. وقد نجح في التصدي للإرهابيين الذين هددوا موريتانيا واستخدموا صحراء البلد الكبيرة غير المأهولة فعليا، ملاذا آمنا ومنطلقا لشن الهجمات على دول أخرى في المنطقة. وبفضل هذه العملية، أصبحت موريتانيا حليفا مهما للولايات المتحدة واستعادت استقرارها.
سرت هناك شائعات بأن الرئيس، مثل ما فعل حاكمَا جمهورية الكونغو ورواندا، سيغير الدستور للسماح له بالترشح لمأمورية ثالثة هذا العام، لكنه فاجأ الكثيرين بإعلانه عدم تعديل الدستور، قائلا بأنه "من غير الملائم تغيير الدستور من أجل مصلحة فرد واحد".
تواجه موريتانيا الكثير من التحديات، لكن هذه الانتخابات كانت حاسمة. لقد فاز محمد ولد الغزواني بـ 52% من الأصوات، تغلب بها على منافسيْن كبيريْن و[ثلاثة] منافسين صغار وهو وزير دفاع سابق، معروف بدوره الكبير في القضاء على النشاط الإرهابي داخل موريتانيا. وحصل المترشح الذي جاء في المرتبة الثانية على نسبة 18.5% من الأصوات متعهدا بإزالة آخر جيوب العبودية القائمة على القبَلية والمحظورة منذ عام 2007. وكان المترشح الذي حصل على المركز الثالث متحالفا مع جماعة الإخوان المسلمين.
ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن الانتخابات قد حسمها الناخبون المنشغلون بالوضع الأمني، لكن الرئيس المنتخب حديثا ركز في حملته الانتخابية على أهمية التنمية الاقتصادية. موريتانيا بلد فقير، لكنه غني بالموارد والإمكانات. حيث يتوفر على كميات وافرة من مناجم الحديد إلى جانب النحاس والذهب والنفط، لكن التقاليد القضائية الهشة وقوانين الضرائب السيئة والافتقار إلى البنية التحتية، تظل عقبات أمام تحسن مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية الضرورية. ونتيجة لذلك، فإن البلاد مجبَرة على استيراد الغذاء وتفتقر إلى الموارد اللازمة لتحقيق حاجاتها الأساسية، على الرغم من أن الاقتصاد الموريتاني يعتمد على صادرات المعادن والصناعة الثريّة لمصايد الأسماك البحرية.
مع امتلاكه لأغلبية قوية في البرلمان، فإن السيد غزواني في وضع يسمح له بتقديم الإصلاح القانوني والتنظيمي والضريبي الذي يجب أن يشجع المستثمرين الأجانب إلى إلقاء نظرة ثانية على الفرص المتاحة في بلده. وإن التزم بتعهدات حملته الانتخابية، فستكون لديه فرصة حقيقية لتحديث اقتصاد بلده، وبناءِ مجتمع أكثر ديمقراطية، وجعلِ موريتانيا قدوة لباقي دول العالم الثالث.
إنّ قصة النجاح هذه تمنح الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع موريتانيا، وهو ما سيكون له تأثير في المنطقة بأسرها، وسيُشجع الدول الأخرى على الاقتداء بالنموذج الموريتاني.
يثبت انتخاب السيد غزواني أنه حتى في أكثر الدول فقرا، يمكن لبذور الديمقراطية أن تتجذر. إن البلدان التي تنتقل بسلام من الاستبداد إلى الديمقراطية نادرة وتستحق الدعم عندما تنجح في ذلك.
ويعود إلى رئيس موريتانيا المنتخب حديثا العمل على رعاية ديمقراطية بلده الناشئة مع مواصلة الكفاح ضد الإرهاب والعمل على تحسين حياة المواطنين الذين انتخبوه. سيكون الأمر صعبا، لكنه إن نجح، فقد يأتي يوم تَنظُر فيه شعوب البلدان النامية والفقيرة الأخرى إلى موريتانيا وتقول: "ما داموا فعلوها، فنحن أيضا نستطيع".
الكاتب:
ديفيد كين (David Keene)
رئيس تحرير في صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية، مستشار مؤتمن لعدد من الرؤساء الأمريكيين، مؤلف وكاتب ووجه معروف في التلفزيون الأمريكي وهو أحد أكثر الأصوات المحافِظة تقديرا لدى الأمريكيين. رئيس سابق لاتحاد المحافظين الأمريكيين (ACU).