يجمع الأمازيغ بتونس، الجزائر، ليبيا والمغرب على كونهم السكان الأصليين للمنطقة المغاربية، ويشتكون من “تهميش” ثقافتهم ولغتهم الأصلية لحساب العربية حينا، ولغات أجنبية تعود لمستعمرين مرّوا من شمال أفريقيا أحيانا أخرى.
لكن اللافت، هو غياب أمازيغ موريتانيا عن هذا المشهد، فهل استغنت قبائل موريتانيا الأمازيغية عن هويتها تماما؟
لعل “تخلّي” أمازيغ موريتانيا عن الانتصار لأصولهم، شجع التّنكر الرسمي للغة الأمازيغية، بل للكيان الأمازيغي من الأساس، فدستور موريتانيا يؤكد في مادته السادسة أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد إلى جانب لغات وطنية هي “البولارية والسوننكية والولوفية”.
وفي هذا الصدد، يرجع الباحث في شؤون الأمازيغ بشمال أفريقيا، مادغيس أومادي، السبب وراء تراجع الهوية الأمازيغية في موريتانيا إلى “كون معظم القبائل تبنوا طرح الفاتحين إلى درجة استغنائهم عن هوياتهم لصالح الانصهار في الدولة الإسلامية”.
وفي حديث لموقع ” أصوات مغاربية”، يؤكد أومادي أن “أولى القبائل المنفصلة عن تامزغا هم قبائل موريتانيا”. قبل أن يستدرك قائلا: “نحن اللغويون نستفيد منهم كثيرا لأنهم أول ما انشقوا، حافظو على الكلمات الأمازيغية الأصلية، ولعله الأمر الوحيد الذي خدموا به القضية الأمازيغية”.
وإذ يعتبر انفصالهم عن الهوية الأمازيغية “خسارة كبيرة للشعب الأمازيغي”، يدرك مدغيس أن الأسباب الرئيسة وراء تخلفهم عن أقرانهم في الجزائر والمغرب وتونس على وجه الخصوص يرجع إلى “اقتناعهم بشرف الانتماء إلى العرب الذين قدموا إلى شمال أفريقيا إثر الفتوحات الإسلامية”.
يقول: “هناك من تنكر لأمازيغيته لاعتقاده بأن الانتماء إلى العرب والصحابة خاصة مكرمة لا يجب تفويتها” عاي خاصة وأن هناك من المؤرخين من يجزم بأن قبائل صنهاجة الموريتانية من اصول يمنية تنتسب إلي قبايل حمير.الأصيلة.الضاربة في عمق التاريخ .
ويضيف: “المحفز الرئيسي وراء تنكر أمازيغ موريتانيا لهويتهم، هو الامتيازات التي كانت تعقب ولاءهم للعرب الفاتحين، منها عدم دفع الضرائب”، ملفتا إلى أنهم “كانوا لا يعاملون معاملة لائقة، كونهم ذوو بشرة سمراء. أعتقد أن ذلك ما زاد الضغط الاجتماعي عليهم، وهو ذاته ما دفعهم إلى التخلي عن انتمائهم الأمازيغي”.
يشار إلى أن أغلب أمازيغ موريتانيا يتواجدون جغرافيا على الحدود مع السنغال أقصى جنوب البلاد.
تخلي عن الهوية
أما بالنسبة للناشط الأمازيغي من الجزائر، ريحلة امحند، فإن “وضعية الأمازيغي بأي بلد عموما تعود إلى درجة تمسكه أو تخليه عن الدفاع عن هويته، من حيث كونها حقُ تكفله جميع الأعراف الدولية والقوانين”.
وفي حديث مع “أصوات مغاربية”، أوضح امحند أن جمعية تامزغا العالمية سبق لها سنة 2004 أن طلبت من الأمم المتحدة التحقيق في ما سمي “التنكر لحقوق أمازيغ موريتانيا في دسترة لغتهم كلغة وطنية”.
واستغرب المتحدث رد الحكومة الموريتانية آنذاك، والتي “تنكرت لوجود لغة أمازيغية أصلا ّ”، متسائلا: “كيف يمكن أن ندافع عنهم إن ارتضوا لأنفسهم التهميش؟ مؤسف أن أقول ذلك، لكنها الحقيقة”.
وتتساءل المدافعة عن الثقافة الأمازيغية التونسي، مها الجويني، عن “السر وراء محاولة موريتانيا التنكر لأمازيغية شعبها”.
وفي حديثها لــ”أصوات مغاربية”، أبدت الجويني استياءها “لدسترة التهميش، وتأكيد انتماء موريتانيا للعالم العربي على حساب البعد الأمازيغي والأفريقي”.
وترى أن مردّ ذلك “لسياسة التعريب القسري التي انتهجتها الحكومات المتتالية على موريتانيا”، قبل أن تضيف: “يسود هناك اعتقاد بسمو العرق العربي وهو ما عجّل بتخلي الأمازيغ عن هويتهم، بمجرد دخول قبائل بني حسان خلال التواجد الهلالي بالمنطقة”.
من جانبه، يرى أحمد آكاط، باحث موريتاني بجامعة الجزائر أن “مسألة الذود عن الأصول تكتسب بصفة توارثية، وهو ما يفسر عدم اهتمام شباب موريتانيا بهويتهم الأمازيغية، كما هو الحال بالجزائر مثلا”.
ويضيف: “أعتقد أن تخلي السابقين عن هويتهم لم يشجعنا على البحث في حقيقة تاريخنا. قبل أن آتي للدراسة بالجزائر لم تكن مسألة الهوية من انشغالاتي، لكن اهتمام زملائي بمسائل الهوية هنا بالجزائر أثار فضولي لمعرفة حقيقة انتمائي كموريتاني.لكن الفرق بين أمازيغ موريتانيا وهذه الدول واضح وبين فهؤلاء فتحو الفتحات العظيمة وسارو علي النهج القويم وكان منهم علماء أضاؤ المعمورة علما وأدبا حقا لإنهم مفخرة موريتانيا والعرب.