مراقبون يحذرون من كارثة سياسية واستراتيجية وينصحون واشنطن بإنقاذ "تل أبيب من نفسها"

أحد, 15/10/2023 - 14:36

يحبس الشرق الأوسط أنفاسه استعداداً لاجتياح بري إسرائيلي متوقع لقطاع غزة، في ظل هدفه المعلن المتمثل في استئصال شأفة حركة "حماس" وسط مخاوف بالغة من سقوط آلاف المدنيين قتلى وجرحى فضلاً عن احتمالات اتساع رقعة الحرب بما قد تكون له نتائج كارثية قد تمتد تبعاتها إلى ما وراء الشرق الأوسط، فكيف يرى الأميركيون والغرب هذا الاجتياح وإمكانية نجاحه أو فشله وما قد يخلفه من آثار وانعكاسات وما قد يأتي بعده؟

خلال الساعات الأخيرة ظهرت مؤشرات عديدة على اقتراب موعد الاجتياح البري الذي تعهدت به إسرائيل رداً على هجمات حركة "حماس" الفلسطينية على البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة والتي أدت إلى مقتل 1200 مدني وجندي.

وفي سبيل ذلك، حشدت الحكومة الإسرائيلية 300 ألف جندي على حدود القطاع وأصبحوا على استعداد لتنفيذ المهمة، وطلبت من سكان شمال غزة (1.1 مليون شخص) الانتقال إلى جنوب القطاع، وأقبل الإسرائيليون بشكل هيستيري بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، على شراء وتخزين الطعام مع تحول البلاد للحرب واقتراب موعد الاجتياح الذي يبدو أنه سيكون أكبر حجماً وأوسع نطاقاً وأطول زمناً وأكثر عنفاً من أي شيء سبقه وفقاً لمجلة "إيكونيميست" في طبعتها الأميركية.

وفي حين يزيد استخدام القوة الجوية من خطر وقوع إصابات في صفوف المدنيين الفلسطينيين، تدرك إسرائيل أن استخدام القوات البرية في الاجتياح المنتظر سيزيد من المخاطر التي يتعرض لها جنودها، ولا يزال يتعين عليها تقدير حجم مقاومة "حماس" والجماعات المسلحة الفلسطينية الأخرى التي من المتوقع أن تكون شرسة للغاية.

وينتظر المسلحون الفلسطينيون من "حماس" وغيرها، الإسرائيليين على مشارف مدن غزة، بقذائف الهاون الثقيلة والمدافع الرشاشة والأسلحة المضادة للدبابات والقناصة وربما الانتحاريين أيضاً، بحسب وصف صحيفة "فايننشال تايمز".

وفيما بدأت الولايات المتحدة أخيراً فقط تحت ضغط داخلي وخارجي ممارسة بعض الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو كي تلتزم قواعد الحرب حتى لا تلحق الضرر بالمدنيين، لمح جنرال إسرائيلي إلى العقاب الجماعي، قائلاً إن مواطني غزة يحتفلون بدلاً من أن يشعروا بالذعر والفزع ولهذا سيتم التعامل مع من وصفهم "بالوحوش البشرية" وفقاً لذلك.

ومن المتوقع أن يكون النهج الإسرائيلي متشدداً بعد قطع الكهرباء والماء عن سكان غزة وإعلان الجيش الإسرائيلي أنه لن يستخدم بعد الآن ما يسمى "الطرق على السطح" لتنبيه سكان مبنى على وشك القصف من طريق إسقاط قذيفة غير متفجرة على السطح أولاً.

وتشير مجلة "فورين أفيرز" إلى أن سكان غزة لا يعتبرون الدعوة للإخلاء بمثابة لفتة إنسانية، بل يعتقدون أن نية إسرائيل هي تنفيذ نكبة أخرى، أو كارثة التهجير القسري للفلسطينيين من إسرائيل خلال حرب عام 1948 وهم لا يعتقدون أنه سيسمح لهم بالعودة إلى غزة بعد القتال، ولهذا السبب فإن سعي إدارة بايدن لإنشاء ممر إنساني للسماح للمدنيين في غزة بالفرار من القتال يعد فكرة سيئة للغاية، لأنه سيكون بمثابة تسريع عملية إخلاء غزة من السكان وخلق موجة جديدة من اللاجئين الدائمين، كما أنه سيقدم للمتطرفين اليمينيين في حكومة نتنياهو خريطة طريق واضحة لفعل الشيء نفسه في القدس والضفة الغربية.

هناك سيناريوهات متعددة لما يمكن أن يسلكه الإسرائيليون للسيطرة على القطاع، إذ يتوقع البعض أن تركز القوات الجوية الإسرائيلية على تدمير الأهداف التي تم رصدها مسبقاً ثم استخدام الجرافات المدرعة الضخمة لتمهيد الطريق أمام الوحدات التي تقاتل على الأرض، لكن السؤال الأكبر هو ماذا سيحدث بعد ذلك؟

بحسب موقع "فورين أفيرز" فإن الصعوبات التي واجهتها القوات الإسرائيلية في هجوم بري قصير على غزة عام 2014، الذي يسمى "الغزو الضحل" قللت من طموحاتها لمحاولة القيام بالمزيد، لكنها الآن بفعل الصدمة من هجوم "حماس" المباغت، فإن حتى الاجتياح الأعمق للسيطرة على مساحات أكبر من قطاع غزة كما حدث عام 2009، قد يبدو غير مناسب للإسرائيليين.

 

ولذلك، تتوقع "الإيكونيميست" تقسيم قطاع غزة إلى قسمين من خلال توغل لواءين مدرعين مزودين بالدبابات قبل استهداف آلاف القوات من "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، والتركيز على القادة والبنية التحتية.

لكن ذلك لن يكون نزهة، وفقاً لعدد من الخبراء، إذ يشير الرائد الأميركي السابق الذي يرأس دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة بالأكاديمية العسكرية الأميركية، جون سبنسر إلى أن الحرب ستكون دموية للغاية، لأنه لا يمكن تغيير طبيعة حرب المدن التي تخلف كثيراً من الأضرار الجانبية.

ويقول الخبير في دراسات الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي أليكس بليتساس، إن السبيل الوحيد أمام إسرائيل لتحقيق هدفها المتمثل في القضاء على قدرات "حماس" العسكرية يتلخص في حرب المدن من منزل إلى منزل، ومن مبنى إلى مبنى، ومن المرجح أن تشمل قوات العمليات التقليدية والخاصة التحرك بشكل منهجي عبر المنطقة للقضاء على التهديد وتدمير جميع القدرات العسكرية، من معدات الاتصالات إلى مخزونات الأسلحة.

هل سيدخل "حزب الله" اللبناني في صراع غزة؟

بعد تحميله مسؤولية حرب غزة… حملة المليون لإقالة نتنياهو

ولإعطاء فكرة عما يمكن أن يحدث، فإن آخر توغل بري إسرائيلي كبير في غزة، خلال عملية الجرف الصامد عام 2014، استمر نحو أسبوعين ولم يخترق سوى بضع كيلومترات داخل القطاع، وأدى القتال إلى مقتل 66 جندياً إسرائيلياً، وستة مدنيين إسرائيليين، وأكثر من 2000 فلسطيني معظمهم من المدنيين، وربعهم من الأطفال.

وقد يستغرق استكمال الاجتياح البري أشهراً عدة نظراً لحجم قطاع غزة، وعدد المستعدين للقتال، وحجم مخابئ الأسلحة، وضخامة عدد السكان المدنيين، لذا لن يكون الأمر سهلاً، لكن القدرة العسكرية المتفوقة لإسرائيل، تضعها في وضع جيد لتنفيذ وإنجاح هذه الحملة المرهقة.

 

كل ما يمكن تخيله

 

وكتب الخبير الاستراتيجي المؤرخ إدوارد لوتواك في موقع "أنهيرد" أن القوات الإسرائيلية لا يمكنها أن تأمل في العثور على قادة "حماس" في مخابئ لا يعرفها أحد سواها، كما لا يمكنهم أن يأملوا في العثور على رهائن إسرائيليين وقد يقتلون أمام أعينهم إذا اقتربوا أكثر مما ينبغي، ولذلك لا توجد ضمانات بتحقيق أي نتيجة دائمة لأن الحركة الفلسطينية مارست "ديكتاتورية وحشية" ضد سكان غزة بحسب وصفه، وقتلت أي شخص يطالب بإجراء انتخابات جديدة.

 

ما هو مؤكد هو أن فظائع جديدة تنتظر المنطقة المحاصرة وأولئك الذين يجتاحونها، وفقاً لتعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت الذي اعترف بأن الجنود الإسرائيليين ينتظرهم كل ما يمكن تخيله وأسوأ من ذلك.

ماذا عن الرهائن؟

من الأمور المعقدة وجود نحو 150 رهينة إسرائيلية وأجنبية في غزة تعهدت حركة "حماس" بقتل شخص في كل مرة تقصف فيها إسرائيل منازل مدنيين من دون سابق إنذار، ولهذا يتوقع المحلل الاستراتيجي غريغ كارلستورم في لقاء مع الإذاعة الوطنية الأميركية العامة "بي بي آر" أن يكون هناك طلب لمحاولة إطلاق سراح الرهائن، مهما كلف الأمر، لكن المزاج العام والسياسي مختلف هذه المرة وقد ينتهي الأمر إلى إلحاق الأذى بالرهائن.

واتفقت صحيفة "نيويورك تايمز" على أن إسرائيل ستضع جانباً بعض القيم التقليدية، بما في ذلك مبدأ وجوب حماية الرهائن الإسرائيليين وإعادتهم، لأن عملية الإنقاذ في غزة ستكون صعبة، ومن المرجح أن يكون الرهائن مشتتين، كما أن التهديد بنيران الأسلحة الصغيرة والأسلحة المحمولة على الكتف، مثل القذائف الصاروخية وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة، يجعل تنفيذ مهمة محمولة بطائرات الهليكوبتر أمراً غير مرجح نظراً إلى الأخطار التي تحيط بالعملية.

 

 

 

ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى تقييد المخططين والقوات لتنفيذ عملية إنقاذ برية أو بحرية، ونظراً إلى الافتقار إلى دعم الإخلاء الطبي أو القدرة على إدخال قوات الرد السريع بسهولة لدعم العمليات على الأرض دون وجود قوة برية أكبر، سيكون من الصعب إجراء مهام إنقاذ سرية متزامنة للرهائن في مواقع متعددة في جميع أنحاء غزة.

وعلى هذا النحو، من المرجح أن تنشر قوات خاصة (كوماندوز) أثناء الاجتياح البري جنباً إلى جنب مع القوات التقليدية أو قبلها بقليل، ولدى الجيشين الإسرائيلي والأميركي القدرة على القيام بهذه العمليات، لكن كلفة إصابة أو أسر أو قتل أحد الجنود الأميركيين ستكون ضخمة من الناحية الدعائية، على رغم الدعم الداخلي في الولايات المتحدة لإنقاذ المواطنين الأميركيين.

 

إنقاذ إسرائيل من نفسها

 

لكن على رغم أن الحملة البرية الإسرائيلية بدت أمراً حتمياً منذ اللحظة التي اخترقت فيها "حماس" المحيط الأمني حول قطاع غزة، ودعمت واشنطن خطط تل أبيب بشكل كامل، وامتنعت عن الحث على ضبط النفس، إلا أن هذا الوقت الذي يجب أن تكون فيه الولايات المتحدة أكثر حكمة كي تنقذ إسرائيل من نفسها، بحسب الكاتب في "فورين أفيرز" مارك لينش.

 

 ومن وجهة نظر لينش، فإن الاجتياح الوشيك لغزة سيشكل كارثة إنسانية وأخلاقية واستراتيجية، ولن يضر فحسب بأمن إسرائيل على المدى الطويل ويلحق بالفلسطينيين تكاليف بشرية، بل سيهدد أيضاً المصالح الأميركية الأساسية في الشرق الأوسط وأوكرانيا، وفي منافسة واشنطن مع الصين على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولهذا فإن إدارة جو بايدن التي توجه النفوذ الفريد للولايات المتحدة والدعم الوثيق الذي أظهره البيت الأبيض للأمن الإسرائيلي، يمكنها الآن منع تل أبيب من ارتكاب خطأ كارثي، بأن تركز على مطالبة حليفتها بالامتثال الكامل لقوانين الحرب، وإيجاد السبل الكفيلة بنقل المعركة إلى "حماس" على نحو لا يؤدي إلى القتل الجماعي وتهجير المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.

 

ومن المتوقع أن يكون اجتياح قطاع غزة نفسه مليئاً بالشكوك، ويكاد يكون من المؤكد أن "حماس" توقعت مثل هذا الرد الإسرائيلي، وهي مستعدة جيداً للدخول في حرب طويلة الأمد ضد القوات الإسرائيلية المتقدمة، ومن المحتمل أن تلحق خسائر كبيرة بالجيش الذي لم يشارك في مثل هذا القتال منذ سنوات عديدة، كما أن قصف المدن وتسويتها بالأرض وإخلاء الشمال من السكان، سيأتي بتكاليف كبيرة على سمعة إسرائيل والولايات المتحدة، وكلما طال أمد الحرب، كلما غزت العالم صور القتلى والجرحى من الإسرائيليين والفلسطينيين، وكلما تزايدت الفرص لوقوع أحداث تخريبية غير متوقعة.

 

 

 

وفي حين أنه ليس هناك شك في أن "حماس" ارتكبت جرائم حرب خطرة في قتلها المدنيين الإسرائيليين، وينبغي محاسبتها، لكن ليس هناك من شك أيضاً في أن العقاب الجماعي المفروض على غزة، من خلال الحصار والقصف والتهجير القسري لسكانها، يمثل جرائم حرب خطرة، ولهذا لا بد أن تكون هناك مساءلة، والأفضل من ذلك هو احترام القانون الدولي قبل أن يكون من الصعب التوفيق بين ترويج الولايات المتحدة للمعايير الدولية وقوانين الحرب دفاعاً عن أوكرانيا ضد الحرب الروسية، وبين تجاهلها المتعجرف للمعايير نفسها في غزة، وهو أمر لا تلاحظه فقط دول الشرق الأوسط، بل أيضاً دول وشعوب الجنوب حول العالم.

هل تتسع الحرب؟

بعيداً من غزة، يتعين على إسرائيل أن تتعامل مع التهديد بالتصعيد في ساحتين رئيستين، بحسب ألكسندر بالمر وهو باحث في مشروع التهديدات العابرة للحدود الوطنية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، حيث الساحة الأولى هي حدودها الشمالية مع لبنان وسوريا، التي شهدت بالفعل اشتباكات وسقوط قتلى بينما الوضع على الحدود غير مؤكد، ويمكن أن يتغير بسرعة مع وجود 150 ألف صاروخ دقيق التوجيه بحوزة "حزب الله" الذي من الممكن أن ينجر بسهولة إلى الحرب، وقد يشكل اجتياح غزة خطاً أحمر من شأنه أن يجبر الحزب اللبناني على التحرك.

وإذا دخل "حزب الله" المعركة بترسانته الهائلة من الصواريخ، فإن إسرائيل ستواجه أول حرب على جبهتين منذ نصف قرن من الزمن، ومثل هذا الوضع لن يكون سيئاً بالنسبة إلى تل أبيب فحسب، إذ ليس من الواضح ما إذا كان لبنان، الذي تدهور بالفعل بسبب انفجار الميناء العام الماضي والانهيار الاقتصادي، يمكن أن ينجو من حملة قصف انتقامية إسرائيلية أخرى.

أما الساحة الثانية فهي الضفة الغربية، حيث دعت "حماس" صراحة المسلحين هناك إلى حمل السلاح، وتبدو المنطقة مهيأة لاضطرابات كبرى، وحتى قبل هجمات الأسبوع الماضي، كان العنف في الضفة الغربية يتزايد إلى درجة أن المحللين كانوا يتحدثون عن انتفاضة ثالثة، إذ أثار النشاط العسكري الإسرائيلي السابق في غزة تظاهرات كبيرة في الضفة الغربية، وليس هناك سبب للاعتقاد أن العمليات الإسرائيلية الحالية ستكون مختلفة بعدما نفذت تل أبيب بالفعل عملية برية كبيرة في الضفة الغربية هذا العام، وهي غارة كبرى على مخيم جنين للاجئين، وقد تشعر بأنها مضطرة إلى التدخل مرة أخرى إذا كانت السلطة الفلسطينية غير قادرة على الحد من الاضطرابات.

 

وعلاوة على ذلك، فإن توسيع الحرب لتشمل إيران كما يطالب به بعض الصقور في واشنطن، من شأنه أن يفرض أخطاراً هائلة، ليس فقط في شكل انتقام إيراني ضد إسرائيل، ولكن أيضاً ضد سفن شحن النفط في الخليج والتصعيد المحتمل عبر العراق واليمن والجبهات الأخرى التي يسيطر عليها حلفاء طهران.

 

ماذا لو نجح الغزو؟

 

ومع ذلك، فحتى النجاح العسكري لإسرائيل في غزة لن يشكل نقطة نهاية، فالأمر سيتطلب اتخاذ قرار سياسي مهم حول ما إذا كانت إسرائيل تخطط لإعادة السيطرة والأمن إلى أي فصيل أو مجموعة فلسطينية بعد انتهاء العملية، فإذا تمت الإطاحة بـ"حماس" لن توجد قوة فلسطينية معتدلة لتحل محلها، إذ تفتقر السلطة الفلسطينية إلى دعم سياسي كبير بين الفلسطينيين، وقد لجأت إلى القمع في الضفة الغربية في ظل غياب الشرعية السياسية بحسب "بالمر"، ومن دون وجود بديل جاهز لـ"حماس"، ولن يكون أمام إسرائيل خيار سوى تولي السيطرة المباشرة على غزة، الأمر الذي سيؤدي على الأرجح إلى تفاقم النضال الفلسطيني، وتعميق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، وتقييد مواردها العسكرية والاقتصادية في حملة مفتوحة لمكافحة المقاومة التي من المؤكد أنها ستنشأ من جديد.

ووفقاً لمدير مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي ويليام ويشسلر، فإن الحروب لا تكسب أو تخسر بسبب العوامل العسكرية وحدها، وهو درس تعلمته الولايات المتحدة بشكل مؤلم في كل من العراق وأفغانستان، ففي عام 2003، وخلال الأسابيع الأولى للغزو الأميركي للعراق، سأل الجنرال ديفيد بتريوس عبارته الشهيرة، "أخبرني كيف سينتهي هذا الأمر" فقد ذهبت إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش إلى الحرب من دون إجابة واضحة عن هذا السؤال الأساس، ومن دون رؤية واقعية للكيفية التي سيحكم بها العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، وهو الوضع الذي ستجد إسرائيل نفسها فيه إذا نجحت في استعادة السيطرة على غزة.

وعلى رغم وجود إجماع داخل الحكومة الإسرائيلية على أنه لن يسمح لغزة بالعودة إلى الوضع الراهن لهيمنة "حماس" بعد الحرب، إلا أنه لا يوجد دليل على الإجماع حتى الآن حول البديل المفضل، إذ يتوقع أن يجادل البعض لصالح احتلال آخر، وسيرى آخرون فرصة لتجديد حركة الاستيطان هناك، بينما يجادل آخرون لصالح إعادة توسيع نطاق صلاحيات السلطة الفلسطينية لتشمل غزة، ولكن قيادتها تواجه بالفعل صعوبة متزايدة في إدارة الضفة الغربية، ومع ذلك، فإن آخرين سيتصورون استيراد رجل قوي جديد يعارض كلاً من "حماس" والقيادة الحالية لـ"فتح".

ولهذا، ترى "فورين أفيرز" أن أولئك الذين يحثون إسرائيل على اجتياح قطاع غزة يدفعون حليفهم إلى كارثة استراتيجية وسياسية، لأن التكاليف المحتملة مرتفعة إلى حد بعيد، سواء حسبت عدد الوفيات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أو احتمالات الدخول في مستنقع طويل الأمد، أو التهجير الجماعي للفلسطينيين، كما أن خطر انتشار الصراع كبير بشكل مثير للقلق، بخاصة في الضفة الغربية ولبنان، بينما المكاسب المحتملة بخلاف مطالب الانتقام، تبدو منخفضة بشكل ملحوظ، ما يشير إلى الفشل الذريع المقبل.