
لا تزال الأوضاع في بنين غامضة ومتقلّبة، رغم إعلان الحكومة صباح اليوم إفشال “محاولة انقلابية محدودة”، في حين يواصل العسكريون المتمردون التأكيد أنهم يسيطرون على مواقع حساسة في العاصمة. وبين الروايات المتضاربة، تتصاعد التحذيرات الإقليمية والدولية، ويعيش البنينيون حالة ترقب وقلق حقيقي بشأن مستقبل البلاد.
استيقظت كوتونو قبيل الفجر على أصوات إطلاق نار كثيف في محيط القصر الرئاسي ومقار أمنية تابعة للحرس الجمهوري. وانتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي صور وتسجيلات توثق تحرك آليات عسكرية ومدرعات بالقرب من قصر الجمهورية ومنزل الرئيس باتريس تالون.
وبحسب وسائل إعلام محلية، اقتحم جنود متمردون مقر التلفزيون الوطني حوالي الساعة الثالثة فجراً (GMT) وبثوا بياناً أعلنوا فيه “حلّ المؤسسات الجمهورية”، وتشكيل "لجنة عسكرية لإعادة التأسيس" (CMR) بقيادة اللفتنانت-كولونيل باسكال تيغري، الذي دعا المواطنين إلى “الالتفاف حول الجيش لإنهاء نظام تالون”.
هذا الإعلان كان المؤشر الأول على أن التحرك ليس مجرد تمرد محدود، بل خطوة منسقة داخل المؤسسة العسكرية.
بعد نحو ثلاث ساعات، ظهر وزير الداخلية على إحدى القنوات التلفزيونية معلناً “إفشال المحاولة الانقلابية” بعد تدخل الحرس الجمهوري وقوات موالية للرئيس. وقال في بيانه إن "مجموعة صغيرة" حاولت زعزعة النظام وإن الحكومة تبسط سيطرتها بالكامل.
لكن ميدانياً، ظل المشهد بعيداً عن الاستقرار. فقد استمر سماع إطلاق النار حتى ساعات الظهر في عدد من أحياء كوتونو، كما أُغلقت الطرق المؤدية إلى القصر وجرى تشديد إجراءات المرور قرب المقرات السيادية. وتداولت مصادر مدنية معلومات عن إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية، بينما لم يظهر الرئيس باتريس تالون علناً حتى الآن.
في تسجيل مصور انتشر بسرعة، ظهر العقيد باسكال تيغري ليؤكد أن “المعارك ما تزال مستمرة” وأن الحكومة “تنشر دعاية كاذبة”. كما حذّر القوات الفرنسية الموجودة في بنين من “أي تدخل في الشأن الداخلي”، ما يعكس خشية الانقلابيين من تدخل خارجي قد يحسم المواجهة لصالح الحكومة.
هذا التناقض بين الخطابين الرسمي والعسكري زاد من حالة الارتباك في الشارع، وأثار تساؤلات حول من يملك زمام المبادرة ميدانياً.
تحدثت مصادر محلية عن بوادر انقسام داخل القوات المسلحة، إذ شوهدت وحدات عسكرية تتمركز بشكل غير منسق حول بعض المنشآت، فيما حافظ الحرس الرئاسي على مواقعه الدفاعية قرب القصر. وظهرت آليات مدرعة قرب معسكر غيزو، دون وضوح انتماء الوحدات المسيطرة عليها.
هذا الارتباك يعكس غياب قيادة موحدة داخل المؤسسة العسكرية، ما يجعل المشهد أكثر تعقيداً ويرجح استمرار المواجهة.
تأتي هذه التطورات بعد أسابيع فقط من إقرار البرلمان البنيني، في 15 نوفمبر 2025، تعديلاً دستورياً مثيراً للجدل رفع مدة الولايات الانتخابية، بما فيها الرئاسة، من خمس إلى سبع سنوات، دون المساس بقاعدة عدم تجاوز ولايتين “طوال الحياة”. وقد جاء هذا التعديل بصورة مفاجئة خلال جلسة مخصصة أصلاً لإنشاء مجلس الشيوخ.
التعديل أعاد تسليط الضوء على الرئيس باتريس تالون، البالغ من العمر 67 عاماً، والذي يحكم البلاد منذ 2016 وفي ولايته الثانية. فعلى الرغم من تعهده سابقاً بعدم السعي إلى ولاية ثالثة، صدرت عنه تصريحات فسّرها معارضون بأنها تهيئة لتعديل سياسي أوسع، ما أثار حساسية داخل المعارضة التي تخوض أصلاً أزمة حادة بعد إقصاء مرشحها من السباق الرئاسي لعام 2026.
على الصعيد الأمني، تعيش بنين منذ عام على الأقل تصاعداً لافتاً في نشاط الجماعات الإرهابية في شمال البلاد وشرقها، خصوصاً على الحدود مع نيجيريا والنيجر. وقد فقدت وحدات الجيش عدداً من جنودها في هجمات استهدفت قواعد ومواقع عسكرية خلال الأشهر الأخيرة.
هذا التمدد المسلح أضعف قدرة الدولة على ضبط الأطراف الحدودية، وأثار مخاوف من انتقال العنف نحو الجنوب، ما يجعل لحظة الانقلاب أكثر خطورة بالنظر إلى هشاشة الوضع الأمني العام.
أدانت المنظمة الإقليمية "الإيكواس" المحاولة الانقلابية وهددت باللجوء إلى القوة إذا لم يُعَد الرئيس المنتخب إلى منصبه. أما الاتحاد الإفريقي فأكد أن "التغيير غير الدستوري" مرفوض تماماً، معلناً دعمه للرئيس تالون.
هل فشل الانقلاب أم أن المواجهة لم تُحسم بعد؟
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لا توجد دلائل حاسمة على سيطرة طرف واحد. وتتواصل الاشتباكات بشكل متقطع، بينما تبقى القيادة السياسية صامتة، والجيش نفسه أقرب إلى الانقسام منه إلى الوحدة.
تقف بنين أمام واحدة من أعقد أزماتها منذ عقود. الحكومة تقول إن “الوضع مستتب”، والانقلابيون يؤكدون أن “العمليات مستمرة”، والإيكواس تلوّح بالتدخل العسكري. وبين كل هذه الروايات، يبقى المشهد ضبابياً والبلاد معلّقة على احتمالات مفتوحة قد تحدد مستقبلها السياسي والأمني.
اشترك بالصفحة ليصلك كل جديد..
مالي بالعربية



