كل ما قامت قائمة ونزلت نازلة تخص الإخوان المسلمون في موريتانيا أو علاقتهم بالسلطة،بادر بعض منتسبيهم أو المتعاطفين معهم (وكأنهم مكلفون بمهمة) باعتراضي في فضاء الفيسبوك-في عملية براقشية- متسائلين عن رأيي وموقفي بل وعتابي لماذا لم أعلق على كذا وكذا ،فاتعجب من أحلام القوم فلست رسميا لأكون مطلعا على دوافع وخبايا القرارات الحكومية،ولست من التنظيم ليكون التصدي والتعليق الجاهز مبررا، وإذا ما احسنت الظن وجاوبت بما اعتقدت في حدود الأدب والقانون والمنطق جن جنون السائلين، وتناهبتني أقلام مدد آخر من أتباع القوم،فلم يبق همزا ولا لمزا ولا إساءة ولا تهمة ولا محاكمة نية إلا وتلبسوها.
والحقيقة التي لا يريد أن ينتبه لها الإخوة هي أنني شخصيا لو اتخذت من التملق منهجا لكان التملق للحكومات أنفع من الحركات، فلا أكتب إلا رأيي ولا أريد بعد الله إلا مصلحة وطني وضميري،وقد حمدوا مرات ومرات غب ذلك وأنا على رأس وظيفتي الرسمية .
ولم أجعل من منهجتي يوما ذم أحد من خلق الله ولن أتخذ ذلك من السياسة،فالمنهج الذي أرضعته لا يؤل حرمة الدماء والأعرض…إلخ .
وكل جهدي منصب على توضيح وجهة نظري التي أرى لبلدي والآخرون هم من يأتي لصفحتي الألكترونية المتواضعة لطلب الصداقة والتعليق والحمدلله أرحب بالجميع إخوة في التثاقف والوطن.
ورغم ما يوجهون لي مما تقدم بين الفينة والأخرى،فلم ألجأ إلى المماحكات غير المثمرة والتي لا تولد أكثر من الضغينة والخصام ،رغم أنه لو سلمت الصدور وكان الحق بغية ،فهناك الكثير مما قيل ويقال وهو معروف في مظانه حول ظروف نشأة وملابسات ظهور هذا المذهب السياسي وعلاقة ذلك بالداخل والخارج في تلك المرحلة التاريخية التي كانت مصر وغيرها تحت نير الاستعمار..الخ
هذا فضلا عن المحاججات الشرعية المتعلقة بالتأويلات المستحدثة الخاصة لتجيير الدين خدمة لمصالح ذاتية وظرفية ومستقبلية بعينها؛ وكذا المحاججات الفكرية التي تمثل خروجا سافرا على القيم التنظيمية والسياسية التي تواضع عليها الفكر البشري لهذا العصر مثل الموقف من الديموقراطية والدولة الوطنية وحتى مسألة الحرية،ليخلص هذا التنظيم إلى قراءات وتأويلات تقبل بهذه المفاهيم العصرية في حدود الضرورة التكتيكية حتى بلوغ “التمكين”،أما عن تاريخ الممارسة والمسلكية السياسية لهذا التنظيم فحدث ولا حرج التنظيم نفسه يعترف بالاغتيالات التي قام بها والثورات والانقلابات التي حاولها تاريخيا في عديد من البلدان وحتى التحالفات التكتيكية والاستراتيجية ضد مصالح أمته في طول الأرض وعرضها….الخ .
وهذا كله يبقى تاريخا سياسيا إنسانيا تتعاوره الأخطاء أحيانا ويأخذ منه ويرد،ولا ينفي أيضا تعرض هذا التنظيم لتجاوزات من الأنظمة ظلما وعدوانا؛ وكانت النتيجة أن الشعوب ظلت ضحية الجور السلطاني والتطرف الديني،في عملية صراع يغيب فيها التأويل الصحيح للدين والفهم السليم للتاريخ،مع حجب كامل لأنوار الحكمة والعقل ،لكن المصيبة الكبرى،هي العيش في كنف المظلومية واستدعاء الثارات ورفض القطيعة والدخول في التجدد.
إن على إخوتي في هذا الفضاء وغيره أن تتسع صدورهم للاختلاف؛وأن يفهموا أن من الثوابت عندي التي لا يتطرق لها الشك ولا أتقرب بها لأحد غير الله ،عدم قبول أو تبرير الوصول للسلطة بالدماء،ولا قبول تكفير أحد من أهل القبلة سواء سلاطين أو أعوان أو من عامة المسلمين،من باب أحرى التحريض على قتل العلماء والفرح بذلك،لمجرد الاختلاف في المواقف السياسية،لقد رأيت وسمعت وغيري من العالمين قادة الإخوان وعلماء الإخوان يفتون ويحرضون على القتل وعلى التكفير في تونس ومصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن ….الخ .
وكنت سأعتبر الإخوان المسلمين في موريتانيا فصيلا سياسيا وطنيا مختلفا عن حركته الدولية لو تبرأ منها ،غير أن الجميع شاهد رضا مرجعياتهم وفاعيلهم ومناضليهم بل التزامهم سرا وعلنا بمذهب الدم الثوري الذي فتت البلاد وقتل وشرد العباد؛ وما كان لي أن أقبل بحجج واهية من قبيل رفض الظلم لأقع في ظلم أكبر ورفض القطرية في البحث عن وحدة وهمية والانتقال إلى اللاوطن….الخ
بل إن إخوان موريتانيا -وتبعهم في ذلك بعض معارضتها غير الدينية للأسف- دعوا للصيف العربي جهارا نهارا في موريتانيا متبنين شعاراته ومقولاته وأيقوناته،وحين خاب ظن القوم ،نكصوا راجعين لقبول لعبة الانتخابات تقية وتكتيكا،مع نفس النظام،الذي كانوا بالأمس يرون بل يعملون على ضرورة رحيله وزواله والثورة عليه،بل سيمتهنون في حراكهم التكتيكي الجديد لعبة ملء الفراغ ويمثلون وجها آخر وجناحا مشرعا للعبة السياسية،إنها تقنية نادرة في قلب المفاهيم والمبادئ قل من الفاعلين من يفهمها!
والعويص في الأمر اليوم أن على كل أحد أن يتجاهل التاريخ السياسي القريب والمواقف الفكرية المستمرة والتحالفات الدولية لهذه الحركة حتى الآن؛ويرى لهم مايدعون لأنفسهم.
إن مصدر حذرنا ومصدر قلقنا هو الخوف على وطن هش لا يمكن أن يصمد لثوان أحرى سنوات أمام نموذج التغيير الحارق الذي تبناه الإخوان.
دون أن يعمينا ذلك عن النضال السلمي بكل أنواعه أمام الطغاة غير الديموقراطيين حتى نفتك من أيديهم بكل ما يتيحه الشرع والعقل والحكمة حقوق البلاد والعباد.
كما أننا سنظل نرفض تلك المقولات الخاطئة التي يحاول البعض ترسيخها في عقول أهل معصية الغباء؛فالإسلام دينا وليس حزبا ولا فلان ولا علان ولا جماعة ولا نظام ما .
الإسلام هو لنا جميعا مسلمين لأن الله ربنا جميعا؛لا أحد يمتلك حقيقة مطلقة دون الآخرين ولا شفقة زائدة دون سواد المسلمين.
الإسلام في هذه البلاد هو مرجعية للكل للدستور والقانون والقضاء والدولة والأحزاب.
والتغيير المشروع لا سبيل إليه إلا بالتعاون والسلم والصبر وبث الوعي كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم .
أما التكفير وقتال المسلمين وتخوينهم وسوء الأدب والمعاملة معهم والتقية وحرق المراحل وركوب الأمواج الخادعة فلا توصل إلا للخراب والدليل أين دولنا بالأمس وأين أصبحت اليوم؟!
لا نريد أن نقول أن استمرار الإخوان اليوم هو مبرر وضرورة لاستدامة الطغيان فبين فاتورة الفناء والبقاء موازنة ليست في صالحهم حتما.
وأقول ما تقدم يقينا حرصا على مصلحتنا المشتركة في النأي بوطننا الضعيف عن المهلكات التي لا توافق شرعا ولا عقلا ولا مصلحة؛ورغم التهمة الجاهزة بمغازلة الحكومة فيعرف المنصفون مقولتي أن المجاملة في الشأن العام خيانة،فموقفي من السياسات الرسمية -ولا يعنيني إلا بلدي- كتبته جهارا نهارا ليس لأنني بطلا ولا منقذا بل شعورا بالمسؤولية.
ختاما لا يجب أن تعمينا المصالح الحزبية والسياسية عن حق الناس في العيش بسلام وأمان وذلك شرط قيام الدين الصحيح وانتشاره وليس العكس.
بقلم الدكتور السعد عبدالله بيه