في يومين متتاليين، خرج علينا سيدي علي بلعمش وعبد الله ولد بونا ، بنصين يبدوان في ظاهرهما تحليلا سياسيا، وفي جوهرهما تنفيس عن عجزٍ فكري لا يرى في المغرب إلا ما يرضي عقدة الهزيمة.
كتبا وكأن المملكة التي صمدت قرونا أمام العواصف يمكن أن تترنح أمام مقال متشنج أو تحليل منفوخ بالوهم.
في بلد أرهقته الشعارات الكبرى وابتلعته اللغة الخشبية، لا يزال النظام الموريتاني يتعامل مع الفكر كما لو كان تهديدًا أمنيًا، ومع الكاتب كما لو كان جاسوسًا. كأن الكلمة خيانة، والتساؤل جريمة.
حصل حميده ولد احمد طالب على شهادة الباكلوريا بصعوبة شديدة، فابتعثه شقيقه الأكبر بناهي ولد احمد طالب الذي كان أمينا عاما لوزارة التعليم ثم مديرا لديوان معاوية ولد الطايع، بمنحة دراسية إلى جامعة سترسبورغ في فرنسا، وبعد عدة أشهر من السياحة والتقاط الصور ولقاء الوفود الموريتانية في الفنادق، والسهر ليلا والنوم نهارا، عاد إلى نواكشوط وقد استحوذت عليه قناعة
الفساد في موريتانيا لم يعد مجرد سلوك معزول داخل المؤسسات الإدارية فقط، بل أصبح عقلية ونمط حيات وظاهرة مجتمعية، يشجعها ويدافع عنها المثقف بقلمه والجاهل بحميته. أما النخب في الفساد ففسطاطان: فرحٌ بغنيمته منه، أو صابرٌ مثابر حتى ينال نصيبه منه يومًا ما.
إن التأثير الكارثي لظاهرة الفساد يتطلب منا مقارنة المفسد الموريتاني بغيره من المفسدين.
فالمفسد في دولة من الدول الأخرى حين إقدامه على فساده ينهض رقيبه الأخلاقي أو رقيب الناس الأخلاقي والقانوني عليه، لذا لابد أن يشعر بالعار والخوف، مايجعله لايفسد إلا مرة واحدة، خاصة إذا وقع في شرك الرقيب الأخلاقي والقانوني معا.
من المؤكد أن القانون الدولي لن يبقى حكما بين الدول والشعوب إذا استفحلت ظاهرة التمرد عليه من قبل المتعصبين الدينيين، خاصة إذا حظي تعصبهم السالف بمباركة ودعم وحماية أقوى دولة في العالم مثل الولايات المتحدة التي تمتلك حق النقض الفيتو الذي تستطيع به إسقاط كل مشروع سلام يوقف الحرب !!